عنوان المذكرة : الاعتراف
مقـــــــدمة
يعتمد القانون الجزائري في الإثبات الجزائي على مبد أ حرية الإثبات كأصل ، و نظام الأدلة القانونية كإستثناء ، الأمر الدى يسمح للقاضي أن ينفد إلىالحقيقة بكافة الطرق التي يراها مناسبة ، و أن يبني اقتناعه على أدلة الإثبات يعود له أن يحكم في ضوئها ، فلا يأخذ منها إلا ما إعتقده صائبا و متوافقا مع الحقيقة وما أرتاح إليه ضميره ، عملا بمبدأ الاقتناع القضائي الذي كرسه المشرع الجزائري في المادة 212 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه " يجوز إثبات الجرائم بأي طريق من طرق الإثبات ما عدا الأحوال التي ينص فيها القانون على غير ذلك ، و للقاضي أن يصدر حكمه تبعا لاقتناعه الخاص، ولا يسوغ أن يبني قراره إلىعلى الأدلة المقدمة له في معرض المرافعات و التي حصلت المناقشة فيها حضوريا أمامه " .
من بين أهم أدلة الإثبات في المواد الجزائية هو ما ينبعث من عناصر شخصية تتمثل فيما يصدر من أقوال تؤثر في اقتناع القاضي بطريق مباشر من خلال تأكده من صدق هده الأقوال ، أو ما يسمى بالإعتراف.
فإن كان الأصل في المتهم البراءة حتى تثبت إدانته طبقا للمادة 45 من الدستور، فأنه يتعين أن يقوم الدليل القطعي على إرتكاب الجريمة، فقد يتقدم شخص حرا يقر على نفسه بإرتكاب جريمة ما ، فلا تزول قرينة البراءة بمجرد إعتراف الشخص ما لم يصدر حكم بات بالإدانةإلا إذا كان الحكم مبني على الإعتراف ، و من هنا يمكن للإعتراف كدليل أن يسقط قرينة البراءة.
لقد إهتم فقهاء القانون الجنائي بموضوع الإعتراف كدليل من أدلة الإثبات الجزائي نظرا لأهميته في مجال الإثبات كون الأصل فيه أن له دور حاسم في الدعوى الجزائية بحيث أعتبره الفقه الوضعي قديما أنه سيد الأدلة ولا يوجد دليل أقوى حجية من إقرار الشخص على نفسه بإرتكابه الجريمة ، غير أنه في ظل نظام الاقتناع الشخصي ضعف أثره بحيث لا بد من إحاطته بضمانات تضمن صحته و تكفل صدقه فإن كان صحيحا و صادقا كان له بالغ الأهمية في الإثبات، لكن مع تطور العلم الجنائي و علم النفس أصبح الإعتراف لا يكشف دوما الحقيقة نتيجة تأثيرات مختلفة تعترض شخص المعترف تجعله بعيدا عن الصدق و الحقيقة الواقعية.
فقد اخترنا الإعتراف في المادة الجزائية موضوع دراستنا و عنوان مذكرتنا نظرا لعدم تطرق الدفعات السابقة لهذا الموضوع، فبالرغم من ندرة المراجع التي تنأولت دراسته ، إلىأن الأسباب التي دعتنا إلىالبحث فيه كانت أولى و هي عديدة من أهمها...
إعتماد المشرع الجزائري في مجال الإثبات الجزائي على نظامين مختلفين ، نظام حرية الإثبات و نظام الأدلة القانونية ، و إخضاع الإعتراف لمبدأ الاقتناع القضائي شأنه كشأن أدلة الإثبات الأخرى ، و بالمقابل اكتفاء بعض القضاة بإعتراف المتهم كدليل إدانة دون التحقق من صدقه دون البحث في عناصر الإثبات الأخرى .
فالسؤال المحوري لموضوع الإعتراف الممكن طرحه يتمثل في ماهية السلطة التقديرية للقاضي في تقدير قيمة الإعتراف الثبوتية ، فيما إذا كانت مطلقة أم مقيدة.
وعلى أساس ما تقدم ، فلا يمكننا الإجابة على هذا السؤال قبل التطرق بنوع من التفصيل إلىبيان ماهية الإعتراف مستأنسين في بحثنا على مختلف الآراء الفقهية و ما إستقر عليه قضاء المحكمة العليا مستشهدين ببعض أحكام المحاكم و قرارات المجالس القضائية.
و تبعا لذلك، سنحأول دراسة هذا الموضوع من خلال إتباع الخطة التالية...
الفصل الأول ماهية الإعتراف
المبحث الأول مفهوم الإعتراف.
المطلب الأول تعريف الإعتراف.
المطلب الثاني الطبيعة القانونية للإعتراف.
المطلب الثالث أنواع الإعتراف.
المبحث الثاني أركان الإعتراف.
المطلب الأول صدور الإعتراف من المتهم نفسه.
المطلب الثاني تعلق الإعتراف بالواقعة الإجرامية.
المطلب الثالث تقرير الواقعة لمسؤولية المتهم.
المبحث الثالث شروط صحة الإعتراف.
المطلب الأول الأهلية الإجرائية للمعترف.
المطلب الثاني تمتع المعترف بالإرادة الحرة.
المطلب الثالث وضوح الإعتراف و مطابقته للحقيقة.
الفصل الثاني حجية الإعتراف و تقدير قيمته الثبوتية
المبحث الأول حجية الإعتراف
المطلب الأول حجية الإعتراف الوارد في محاضر الضبطية القضائية.
المطلب الثاني حجية الإعتراف الوارد في محاضر النيابة (حالة التلبس).
المطلب الثالث حجية الإعتراف الوارد في محاضر التحقيق القضائي.
المبحث الثاني سلطة القاضي في تقدير قيمة الإعتراف.
المطلب الأول حرية القاضي في الأخذ بالإعتراف.
المطلب الثاني حرية القاضي في استبعاد الإعتراف.
المطلب الثالث حرية القاضي في تجزئة الإعتراف.
المبحث الثالث حدود سلطة القاضي في تقدير قيمة الإعتراف.
المطلب الأول العدول عن الإعتراف.
المطلب الثاني الإعتراف الوارد في جريمة الزنا.
المطلب الثالث الإعتراف الوارد في بعض المحاضر.
الفصل الاول : ماهية الإعتراف
إن دراسة موضوع الإعتراف تقتضي البحث عن ماهيته، ذلك ما سنتطرق إليه في هذا الفصل الذي قسمناه إلىثلاثة مباحث،في أوله أشرنا إلىمفهوم الإعتراف من خلاله عرفناه بإعطاء المدلول اللغوي والإصطلاحي له ثم المدلول الفقهي و القانوني ثم إلى بيان طبيعته القانونية و أنواعه .
و في ثانيه أبرزنا العناصر اللازمة لوجوده المتمثلة في وجوب صدوره من المتهم نفسه و تعلق موضوعه بواقعة إجرامية من شأنها تقرير مسؤولية المتهم .
وفي آخره تعرضنا إلىالعناصر اللازمة لصحته من خلال إشتراط الأهلية الإجرائية في شخص المعترف ، وتمتع هذا الأخير بإرادة حرة ثم وضوح الإعتراف و مطابقته للحقيقة
المبحث الأول: مفهوم الاعتراف
إن البحث في موضوع الاعتراف كدليل من بين أدلة الإثبات الجزائي و بيان قيمته الثبوتية يقتضي عرض مفهوم الاعتراف من خلال بيان تعريفه في مطلب أول، والعناصر اللازمة لوجوده في مطلب ثان، والعناصر اللازمة لصحته في مطلب ثالث.
المطــــــــــلب الأول : تعريف الإعتراف
اهتم كل من الفقه الإسلامي و جانب من الفقه الجنائي بموضوع الاعتراف بإعتباره دليل من أدلة الإثبات في المجال الجزائي نظرا لأهميته القصوى كون له مكانة مميزة بين ادلة الإثبات الأخرى المعتمدة في المسائل الجزائية، و اعتبره بعض فقهاء القانون الجنائي أنه سيد الأدلة، وبهذا سنتولى بيان تعريفه لغويا و إصطلاحا، ثم قانونا و فقها.
الفرع الأول: المدلول اللغوي و الإصطلاحي للاعتراف:
يعرف الاعتراف لغة بأنه الإثبات : يقول اعترفت بالشيء ،إذن أثبته ، و يعرف أيضا الإذعان للحق و الإقرار به ، أما تعريفه اصطلاحا هو إخبار شخص بحق عليه لغيره ، كأن يقر زيد و يعترف أنه ارتكب فعلا يترتب عليه عقوبة بدنية أو مالية ، كما لو إعترف بأنه قتل عمر أو أتلف له مالا، و هو عبارة عن الإخبار بما على الإنسان من الحق للغير على نفسه، و قيده الشرع بأن يكون على نفسه لأنه لو كان على غيره سمي شهادة ، و إذا حر مكلف بحق = صح و لو مجهولا، و شهادة المرء على نفسه إقرارا بالحقوق عليها،فالاعتراف وإن كان أقوى أدلة الإثبات لأنه ينطق به الشخص الذي سيلزم بما ينطق به دون إكراه فهو حجة قاصرة على المقر ولا تتعداه إلى غيره،لأن لدى الإنسان وازعا طبيعيا يمنعه من ظلم نفسه،ولذا يستبعد أن يقر شخص ما بأن لفلان عليه حقا وهو كاذب في إقراره،فكان الإقرار بذلك اليقين الشرعي ومن ثم كان داخلا في زمرة البينات .
و حجية الإقرار ثابتة في القران و السنة و الإجماع ، قوله تعالى :" أأقررتم و اتخذتم على ذلكم أصري قالوا أقررنا"، وقوله تعالى أيضا :" يا أيها الذبن آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء الله و لو على أنفسكم"
و قد أثبت الرسول صلى الله عليه و سلم الحد بالاعتراف في قضية العسيف بقوله عليه الصلاة و السلام:
" و اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها"، كما أجمعت الأمة على صحة الإقرار باعتباره حجة على المقر، فلا يتعدى أثره إلى غيره فيقتصر أثر الإقرار على المقر نفسه
الفرع الثاني: المدلول القانوني و الفقهي للإعتراف
أورد المشرع الاعتراف في الفصل الأول من الباب الأول من الكتاب الثاني من قانون الإجراءات الجزائية والمتعلق بطرق الإثبات، حيث اكتفى بالإشارة إليه في نص المادة 213 منه على أن "الاعتراف شأنه كشأن جميع عناصر الإثبات يترك لحرية تقدير القاضي " و يتضح من خلال قراءتنا لنص هذه المادة أن المشرع الجزائري على غرار التشريع الفرنسي و المصري لم يعرف الاعتراف، مكتفيا بالإشارة إلى أنه عنصرا من عناصر الإثبات يخضع تقدير قيمته الثبوتية لحرية القاضي، غير أن الفقه الجنائي تناول هذا الموضوع من مختلف زواياه، وقدم عدة تعريفات للاعتراف، إذ عرفه البعض بأنه: "إقرار المتهم على نفسه في مجلس القضاء عن إرادة حرة بالتهمة المسندة إليه ".، وعرف أيضا بأنه: " إ قرار المتهم على نفسه بصحة ارتكابه للتهمة المنسوبة إليه، و هو سيد الأدلة و أقواها تأثيرا في نفس القاضي، وأدعاها إلى اتجاهه نحو الإدانة".، كما عرف بأنه: " قول صادر من المتهم يقر فيه بصحة ارتكابه للوقائع المكونة للجريمة بعضها أو كلها"
فالاعتراف هو إقرار من المتهم بعبارات واضحة تفيد حقيقة الوقائع المنسوبة إليه أو ببعضها و يصلح دليلا عليه، ويختلف عن أقوال المتهم التي قد يستفاد منها ضمنيا ارتكابه الفعل الإجرامي المنسوب إليه، فهذه الأقوال مهما كانت لا ترقى دلالتها إلى مرتبة الاعتراف، وكذلك إقرار المتهم ببعض الوقائع التي لا تتعلق بالجريمة لا يعد اعترافا وعلى ذلك يعد الاعتراف إجراء يباشره المتهم و دليلا تأخذ به المحكمة، فالإدلاء به أمام المحكمة هو إجراء من إجراءات الإثبات، وغالبا ما يكون ثمرة استجواب المتهم أمام سلطة التحقيق الابتدائي، كونه عملا إراديا ينسب به المتهم إلى نفسه ارتكاب وقائع معينة تشكل جريمة يعاقب عليها القانون، ويختلف عن الشهادة من ناحية أنه يصدر من الشخص الذي يقر بما يستوجب مسئوليته الجزائية، بينما الشهادة تصدر عن الغير الذي يدلي بما لديه من معلومات ينفع بها المتهم أو يضره
و على ضوء هذه التعاريف الفقهية، يستخلص بأن الاعتراف هو إقرار المتهم على نفسه بارتكاب الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها، ذلك ما أكدته المحكمة العليا في تعريفها للاعتراف بقولها: " الاعتراف هو إقرار من المتهم بكل أو بعض الوقائع المنسوبة إليه، وهو كغيره من أدلة الإثبات موكول لتقدير قضاة الموضوع وفقا لأحكام المادة 213 من قانون الإجراءات الجزائية "
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للإعتراف
الاعتراف هو عمل قانوني بالمعنى الضيق و ليس تصرفا قانونيا، لأن القانون وحده هو الذي يرتب الآثار القانونية للاعتراف، و ليس لإرادة المعترف دخل في تحديد هذه الآثار، فضلا على أن قاضي الموضوع وحده هو الذي يملك سلطة تقدير هذا الاعتراف في أية مرحلة من مراحل التحقيق متى اطمأنت إليه، بخــلاف التصرف القانــوني الذي يكـون لســلطان الإرادة دخــل في تحديد آثــاره فضلا عن نشوئه، فطالما ثبت أن المعترف قد اتجهت إرادته إلى الاعتراف كان ذلك وحده كافيا لنشوئه، بعدها يبدأ دور القانون في ترتيب الآثار عليه بعيدا عن نطاق إرادة المعترف، هذا ما قررته المحكمة العليا في قرارها " إن تقدير الإعتراف أو الإنكار و كذا كل حجة إثبات تؤسس عليها الاقتناع الوجداني للقضاة يخضع لسيادة السلطة التقديرية لهؤلاء "
إضافة إلى أنه عمل قانوني، فيعدعمل إجرائي كونه يصدر من المتهم أثناء سير الدعوى العمومية ابتداءا من تحريكها سواء أمام وكيل الجمهورية في حالات التلبس،أو أمام قاضي التحقيق،أو قضاة الحكم،قد يكون للإعتراف الصادر من المتهم خلال مرحلة البحث و التحري أثر في نشوء هذه الدعوى ما دام أن القانون يرتب أثر في تحريكها.
و تجدر الإشارة في هذا الصدد أن الإعتراف المراد البحث عن ماهيته و أهميته يختلف عن الإقرار المدني الذي عرفه المشرع الجزائري باعتبار أنه لا يتضمن إنشاء لحق جديد في ذمة المقر، وإنما هو عبارة عن نزول عن حق في المطالبة بإثبات الواقعة من طرف الخصم الذي يدعيها وبهذا يختلف الإعتراف عن الإقرار المدني في عدة أوجه نذكرها على النحو الآتي :
أولا : تتجه نية المقر في الإقرار المدني إلى تحمل الالتزام و ترتيب آثاره القانونية ،أما في الإعتراف فلا دخل لهذه النية ، ولا أهمية لها لأن القانون وحده هو الذي يرتب الآثار القانونية على هذا الإعتراف ولم تتجه نية المعترف إلى حصولها،كأن يعترف المتهم بما نسب إليه ظنا منه أن إعترافه سوف يجنبه العقاب فإن ذلك لا يحول دون ترتيب آثاره القانونية بتوقيع العقوبة عليه نظير ما ارتكبه من جريمة .
ثانيا : الإقرار المدني يعتبر سيد الأدلة ، فهو حجة قاطعة على المقر و يعفي المدعي من إقامة الدليل على دعواه ، و من ثم قيل أن الإقرار هو من الأدلة المعفية من الإثبات و ملزم للقاضي المدني، ولا يجوز للمقر أن يعدل عن إقراره إلا لخطأ في الواقع ، و على المقر أن يثبت الخطأ متى يستطيع العدول عن إقراره ، أما الإعتراف فهو ليس حجة في ذاته على المعترف، وإنما هو خاضع لتقدير المحكمة و لا يعفي النيابة من البحث عن باقي أدلة الإثبات ، ولا القاضي الجزائي من الاستمرار في نظر القضية و للمتهم حق العدول عنه في أي وقت دون أن يكون ملزما بأن يثبت عدم صحة الإعتراف الذي عدل عنه
ثالثا : الإقرار المدني لا يتجزأ على صاحبه إلا إذا نصب على وقائع متعددة، وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتما وجود الوقائع الأخرى ، و يجب أن يؤخذ بالإقرار كله بكامل مدلوله أو أن يترك كله،أما الإعتراف فبجوز تجزئتهوهو أمر متروك لسلطة القاضي .
رابعا : الإقرار المدني قد يكون صريحا و قد يكون ضمنيا،إذ يعتبر الامتناع أو السكوت إقرار ضمني في بعض الأحوال على من وجهت إليه اليمين فنكل عن أدائها دون أن يردها على خصمه، و كل من ردت عليه اليمين فنكل عنها خسر دعواه أي أن الامتناع عن أداء اليمين يعد عدم إنكار الواقعة المراد أداء اليمين عليها أي إقرارا بها،أما الإعتراف لا بد أن يكون صريحا لا لبس فيه ولا غموض .
خامسا : الإقرار المدني لا يصح صدوره إلا ممن اكتملت أهليته المدنية، فإقرار القاصر الذي لم يبلغ تسعة عشر سنة غير مقبول في الإثبات ، ولا يمكن الاحتجاج به قبل المقر فيما هو مأذون به من التصرفات فيما أقربه،أما الإعتراف فلا يتقيد بسن الرشد ، فقد يصدر من الشخص الذي يقل سنه عن الثامنة عشر سنة، و بذلك يظهر الإختلاف بين الأهلية الجزائية و الأهلية الإجرائية الواجب توافرها في المعترف ، فالصغير ناقص الأهلية يمكن أن يكون أهلا لصدورالإعتراف منه رغم أنه غير كامل التمييز، وبالتالي يكون إعترافه صحيح .
المطلب الثالث:أنواع الإعتراف
تظهر عدة تقسيمات للاعتراف، فقد ينشأ الإعتراف عند ضبط الفاعل متلبسا بجريمته، و يقصد به الإعتراف الضمني، و قد ينشأ بمجرد الإقرار بالجرم الذي إرتكبه الشخص، و قد يستنتج من صمت المتهم أثناء استجوابه و مناقشته بالتهمة الموجهة له، و قد يكون قضائيا إذا صدر من المتهم أمام القاضي، وقد يكون غير ذلك إذا صدر من المتهم أمام جهة غير قضائية كأن يصدر أمام الشرطة، و قد يكون كاملا إذا صدر من شخص يقر فيه بصحة التهمة الموجهة له بكاملها، كما قد يكون جزئيا إذاأقر فيه الشخص بارتكاب الجريمة في أحد أركانها دون الأخرى، ذلك بخلاف التفرقة التي يقررها القانون المدني للإقرار بأقسامه المختلفة المتمثلة في الإقرار البسيط والإقرار الموصوف والإقرار المركب.
إلا أن ما يفيد دراستنا في هذا الصدد هو تقسيم الإعتراف من حيث الجهة التي يصدر أمامها، و من حيث تعلقه بكل الوقائع الإجراميةأو تجزئته.
أولا: الإعتراف القضائي و الإعتراف غير القضائي
إن الاعتراف إما أن يكـون اعترافا قضائـيا Aveu judiciaire أو اعتـرافا غيـر قـضائي
Aveu extra judiciaire، فالاعتراف القضائي هو ما يصدر من المتهم أمام قاضي التحقيق أو المحكمة أو المجلس القضائي ، أما الغير القضائي فهو ما يصدر أمام جهة غير قضائية، كما إذا صدر أمام قضاة النيابة أو رجال الشرطة، و السؤال المطروح في هذا الصدد هو هل يعد الاعتراف الصادر من المتهم أمام النيابة اعترافا قضائيا أو غير قضائي؟
ذلك ما أجابت عنه المحكمة العليا في قرارين لها، الأول جاء فيه4 ، كونه لم يكن مدلا به أمام القاضي:حيث أن إعتراف الزوجة كان واردا في التحقيق الأولي و المحتفظ به، و لكنه لا يشكل الإعتراف القضائي الوارد بالمادة 341 من قانون العقو باتو جاء في القرارالثاني: لما كان ثابت في قضية الحال أن قضاة الاستئناف أدانوا الطاعن تأسيسه على اعترافه بالمشاركة في الزنا أثناء تحقيق الشرطة و أماموكيل الجمهورية .
إذن يستشف من هذين القرارين أنه يكفي أن يدلي بالاعتراف أمام القاضي بغض النظر عن صفته لكي يكون قضائيا شرط أن يكون ذلك أثناء نظر الدعوى موضوع المتابعة الجزائية، و للمحكمة أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صحته و مطابقته للحقيقة، و إن كان في الأصل لا يعد اعتراف قضائي باعتبار أن النيابة سلطة اتهام و خصم في الدعوى الجزائية ،إلا أنه بالرجوع لأحكام المادة 224 من قانون الإجراءات الجزائية، يتبين أن لوكيل الجمهورية الحق في توجيه الأسئلة مباشرة للمتهم أثناء المحاكمة وإعتراف المتهم اعند إجابته عن هذه الأسئلة أمامه يعد اعترافا قضائيا، كما أن اعتراف المتهم أمام وكيل الجمهورية عند استجوابه في حالة التلبس عملا بأحكام المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائي يعد اعتراف قضائي .
أما الاعتراف الغير القضائي هو ما يصدر من الشخص المشتبه فيه أمام الضبطية القضائية ، أو ما يدلى به أمام أحد الأشخاص ، أو ما يرد في الرسائل ،أو ما هو وارد في التسجيل الصوتي ، أو ذلك الإعتراف الذي يصدر من أحد الخصوم أمام قاضي شؤون الأسرة أو القاضي التجاري أو القاضي المدني فمثل هذا الإعتراف الصادر أمام القاضي غير القاضي الذي ينظر في الدعوى الجزائية لا يعد إعتراف قضائي، ويخضع مثل هذا الإعتراف كقاعدة عامة لمبدأ حرية القاضي الجزائي في تكوين قناعته ، فله كامل الحرية في تقدير قيمة الإعتراف سواء كان قضائي أو غير قضائي ، وليس هناك ما يمنع من أن يكون الإعتراف غير القضائي دليلا في الإدانة لأنه لا يخرج من كونه دليلا في الدعوى يخضع لتقدير القاضي كباقي الأدلة،وإلا بما ذا نفسر الإقرار الوارد في الرسائل والمستندات كدليل لاثبات جريمة الزنا طبقا للمادة 341 من قانون العقوبات ، وكل ما في الأمر أن الإعتراف غير القضائي لا يكفي وحده ما لم تسانده أدلة إثبات أخرى أو أن يؤكده المتهم أمام المحكمة ، وان قيمته كدليل إثبات تتوقف على الثقة في السلطة التي صدر أمامها الإعتراف ، وكونه يخضع تقديره إلى سلطة القاضي فقد يحكم هذا الأخير بالإدانة دون الأخذ بعين الاعتبار إعتراف المتهم ، كما له أن يقضي ببراءته رغم وجود الإعتراف.
الفرع الثاني : الاعتراف الكامل و الاعتراف الجزئي
الاعتراف الكامل هو الذي يقر فيه المتهم بصحة إسناد التهمة إليه كما وصفتها سلطة الإتهام أو التحقيق ، ويكون كذلك إذا انصب على ارتكاب الجريمة بجميع أركأنها وظروفها كإتهام شخص بجنحة التزوير واستعمال المزور ، فيعترف بأنه قام بعملية التزوير لاستعمال المزور ، أو إتهام شخص بجناية القتل العمدي ، فيعترف بأنه أزهق روح الضحية عمدا .
أما الإعتراف الجزئي لا يكون إلا إذا اقتصر المتهم في إقراره على إرتكاب الجريمة في ركنها المادي نافيا بذلك مسئوليته الجزائية لانعدام القصد الجنائي ، أو أن يعترف بأنه شارك في إرتكاب الجريمة بالمعاونة دون قيامه بإرتكاب السلوك الإجرامي المنسوب إليهكما قد يعترف المتهم بإرتكاب جريمة لكن في صورة أخف من صورة الوقائع المنسوبة إليه خلافا للوصف القانوني للجريمة كأن توجه للشخص المتهم تهمة جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ، فيعترف بأنه قتل فعلا دون أن يعقد العزم على إزهاق روح الضحية أو انتظارها في مكان إرتكاب الجريمة كون التهمة المتابع بها اخطر مما يعترف به .
وما دام أن الأصل في المسائل الجزائية بخصوص جوازيه تجزئة الإعتراف، فان القاضي الجزائي إذا اتجهت قناعته نحو تجزئة إعتراف المتهم فيجوز له ذلك عملا بمبدأ حرية القاضي في تقدير قيمته هذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها على أن.... أما في المواد الجزائية فلقضاة الموضوع الحرية المطلقة في تقدير قيمة الإعتراف بحيث يجوز لهم أن يأخذوا بجزء منه ويتركوا الجزء الآخر شريطة أن يكون الجزء الذي اطمأنوا إليه يؤدي منطقيا إلىإدانة المتهم.
المبحث الثاني : أركـان الاعتراف
من العناصر اللازمة لوجود الاعتراف هي أن يصدر من المتهم نفسه ، وان يكون موضوعه الواقعة الإجرامية ذاتها ، ومن شأنها أن تقرر مسؤولية المتهم الجزائية أو تشديدها .
المطلب الأول : صدور الإعتراف من المتهم نفسه :
الاعتراف هو قول صادر من المتهم بصحة إرتكابه للوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها وهو بذلك يختلف عن الشهادة التي يدلي بها الشخص بما رآه أو سمعه عن الجريمة أو فاعلها سواء في مقام الإثبات أو النفي، مع ملاحظة أنه إذا انصب اعتراف المتهم حول مسائل صدرت عن الغير ،يكون المعترف في موقف الشهادة على الغير وليس إعتراف ، وما دام أن هذا الأخير يعتبر وسيلة للإثبات في الدعوى فهو في الوقت ذاته وسيلة للمتهم قصد الدفاع عن نفسه على التهمة الموجهة إليه، ويبدو أن هذا الركن الواجب توفره ذو أهمية بالغة في الإعتراف بالنظر إلى بعض الإشكالات التي تؤثر على الشخص المعترف وانطلاقا منها يثور التساؤل من الناحية العملية في مدى اعتبار إعتراف متهم على متهم آخر إعترافا بالمعنى الصحيح ، وهل أن تسليم محامي المتهم بالتهمة المنسوبة إلى موكله يعد اعترافا ؟.
ذلك ما سنجيب عليه من خلال ما قررته المحكمة العليا من إجتهادات في هذا الصدد على النحو الآتي :
الفرع الأول : اعتراف متهم على متهم آخر
قد ينصب اعتراف المتهم عند استجوابه إلى ذكر أمور صدرت من متهم آخر كما لو ذكر بان هذا الأخيرقد اشترك معه في إرتكاب الجريمة،أو كان فاعلا اصليا معه ،فإن مثل هذا القول لا يعد إعترافا لأن الإعتراف في معناه السليم هو إقرار الشخص بواقعة ينسبها إلى نفسه تكون حجتها قاصرة عليه ، أما الأقوال الصادرة منه على متهم آخر فهي في حقيقتها ليست إلا شهادة متهم على متهم آخر، غير أنه بالرجوع إلى الشهادة كدليل إثبات نجد أن لها شروطها الخاصة مثل أداء اليمين قبل الإدلاء بالشهادة ، وان الشاهد يدلي بما رآه أو سمعه عن الجريمة وفاعلها ، بينما في الإعتراف نجد أن المتهم هو من يقر على نفسه بارتكابه للجريمة، كما أن المتهم الذي يعترف على أن المتهم الآخر هو من إرتكب الجريمة معه لا يؤدي اليمين عند الإدلاء بأقواله .
وعليه فإنه يمكن اعتبار أقوال متهم على متهم آخر مجرد قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس ، لأنه كثير من الأشخاص يصبحون ضحية إعترافات القصد منها التشهير بهم ، أو الأنتقام منهم ،كما لو أقر كل متهم على آخر بإرتكاب الجريمة في نفس الجلسة فأنه يتعين أن يكون لكل متهم محامي لتفادي تعارض مصلحة كل متهم لأنه في بعض الأحيان عند قيام المحامي بالمرافعة في حق متهمين اثنين يعترف كل منهما على آخر في نفس القضية مع قيام هذا التعارض ، فان هذه المرافعة تكون قد أخلت بحق الدفاع.
قد تصدت المحكمة العليا بشأن هذا التساؤل في قضائها بما يلي " إن الإقرار يصح كدليل إثبات على صاحبه ولا يمتد أثره إلىالشريك في جريمة الزنا"
بينما قضت في قرار آخر برأي مخالف : " إستقر القضاء في شأن وسائل الإثبات أن للمحكمة الجزائية حرية تقدير وسائل الإثبات التي اطمأنت إليها ، في نطاق اجتهادها المطلق ، ولها أن تستند على كل حجة لم يحجر القانون ولاشيء يمنع قانونا القاضي الجزائي من الاستناد لأقوال متهم واتخاذها حجة على متهم آخر وهو ما وقع في القضية الراهنة "*على غرار ما قضت به محكمة النقض المصرية بشان هذه المسالة على أن : " للمحكمة أن تستند في إدانة متهم إلىأقوال متهم آخر بما لها من كامل الحرية في تكوين عقيدتها من كافة العناصر المطروحة أمامها ما دام قد اطمأن وجدأنها إلىهذه الأقوال".
ثانيا : تسليم محامي المتهم بالتهمة المنسوبة إلى موكله
يشهد الواقع العلمي في بعض الأحيان أن يقوم محامي المتهم أثناء مرافعته أمام المحكمة أن يسلم بالتهمة المنسوبة إلىموكله ويعترف صراحة خلال المرافعة بان المتهم ارتكب فعلا الجريمة المتابع بها رغم أن الإعتراف في حقيقته مسالة شخصية تتعلق بشخص المعترف نفسه دون سواه مما يجعلنا نتساءل عن مدى اعتبار الإعتراف الصادر من دفاع المتهم أثناء المرافعة إعترافا بالمعنى السليم ؟
قد ينكر المتهم حين استجوابه بما ينسب إليه من وقائع توصف أنها جريمة من أول وهلة ثم عند بداية دفاعه بالمرافعة يصرح أن موكله هو من ارتكب الوقائع المنسوبة إليه ، فلا يعتبر هذا التصريح إعترافا ، لأن المتهم إذا رأى أن يلجأ إلىالأنكار كمظهر من مظاهر الدفاع عن نفسه فله ذلك ، كما أن المتهم إذا رأى أن يكذب على المحكمة ، أو أن يذكر وقائع غير صحيحة فله ذلك ، وإذا اكتشفت المحكمة أن المتهم يكذب عليها فلا
يجوز لها متابعته بجنحة قول الزور ، لأن كذبه في هذه الحالة هو نوع من الدفاع عن نفسه.
ومن ثم فإعتراف المحامي على المتهم حتى وان كان نوع من الاستراتيجية التي يلجأ إليها الدفاع ليبني مرافعته عليها قصد تخفيف أثار التهمة عن موكله أو جلب له عاطفة هيئة المحكمة حتى ولو لم يعترف عليه المتهم لا يعتبر إعترافا منجانبه ولا يجوز للقاضي أن يستند إلىهذا النوع من الإعتراف لإدانة المتهم لأن أقوال دفاع المتهم أثناء المرافعة المتعلقة بصحة إسناد التهمة إلىموكله لا تعتبر دليلا من الأدلة المعروفة في الدعوى ولا ترقى إلى مرتبة الإعتراف كدليل إثبات باعتبار أن المحكمة وان أخذت بهذه الأقوال ضمنيا في تكوين القناعة بإدانة المتهم الذي أنكر التهمة المنسوبة إليه والتي اعترف بها دفاعه في المرافعة فلا يجوز لها أن تسبب حكم الإدانة بناء على إنكار المتهم وإعتراف المحامي مكأنه انطلاقا من الأصل في الإعتراف أنه إقرار الشخص على نفسه لا يجوز أن يمتد لغيره .
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma